الغاية والهدف مقصودٌ للعقلاء فكل عاقل يهدف الى شيء من عملهِ. فالذي يبني منزلاً يقصدِ بهِ السكن والذي يعمل يقصد تحصيل المال وهكذا ......فإذن لا يوجد عاقل إلا ويقصد شيئا من عملهِ، كيف وإن الله سيُد العقلاء بل خالق العقول وواهبها. إذن لابّد وأَن هناك غاية وهدف ومقصد من خلق الإنسان. وقد بين الله تعالى هذه الغاية وهذا الهدف بقوله الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} سورة الذاريات آية 56.
ولكن يقول الفلاسفة هذه علة وسطية وإما الغاية من العبادة هي اليقين والمعرفة القلبية الشهودية ولذلك يقول تعالى: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} سورة الحجر آية 99. >واليقين وإن فسر في بعض التفاسير بالموت. ولكن فسره العرفاء والفلاسفة، بأن اليقين هو الوصول إلى حالة الرؤية القلبية والحضور والشهود ورؤية الآخرة في الدنيا ومشاهدة الغيب في الظاهر ومعاينة الحقائق.. .)
والدليل على أن اليقين المراد بهِ الرؤية القلبية ورؤية الآخرة في الدنيا قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ} (سورة الانعام آية 75) وصف اليقين بالمشاهدة الملكوتية.
وقال تعالى: {كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ} سورة التكاثر آية 5، 6، 7.
وهناك من الاحاديث القدسية ما يشير الى الغاية القصوى من خلق الانسان وانها المعرفة بالله تعالى، كالحديث القدسي: كنت كنزاً مخفياً فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق لكي أعرف
وكذلك الحديث القدسي الأخر:"يابن أدم خلقت الأشياء لأجلك وخلقتك لأجلي" . وقد ورد في الحديث عن المعصوم، إن المقصود من خلق الانسان هو المعرفة، يقول الإمام أبي عبد الله الصادقعليه السلام قال: خرج الإمام الحسين عليه السلام : "فقال أيها الناس إن الله جل ذكره ما خلق العباد إلا ليعرفوه، فإذا عرفوه عبدوه، فإذا عبدوه استغنوا بعبادتهِ عن عبادةِ سواه ".ويقول صدر المتألهين الشيرازي:وكل الشرائع جاءت لكي تسوق الخلق إلى جوار الله تعالى وسعادة لقائهِ والارتقاء بهِ من حضيض النفس إلى ذروة الكمال ومن هبوط الأجسام الدنية إلى شرف الأرواح العلية وذلك لا يتيسر إلا بمعرفةِ الله تعالى
إذن الخلاصة ان الغاية من خلق الانسان هو معرفة الله تعالى المعرفة التامة الكاملة، القلبية الشهودية.
منقول من كتاب صدر حديثا :منهج العرفان عند الامام علي عليه السلام.للمؤلف الشيخ عبدالرضا البهادلي احد طلبة مدينة قم المقدسة ويقع الكتاب في 640 صفحة وهو من الكتب القيمة المنهجية